سؤال الإمام الطبري
إن هذه المقالة تستهل بسؤال طرحه قديماً الإمام الطبري المتوفى سنة ثلاث مئة وعشرة من الهجرة، وهو سؤال يتجدد في كل عصر، يقول الطبري:
“فإن قال قائل: فما بالُ الإنسانِ يرى الرؤيا الحسنةَ أحيانًا، ولا يجد لها حقيقةً في اليقظة؟”
جواب الطبري
الجواب: أن الرؤيا مختلفة الأسباب. فمنها ما هو من وسوسة الشيطان وتحزينه للمؤمن، ومنها ما هو من حديث النفس في اليقظة، ومنها ما هو من الله. فما كان من حديث النفس ووسوسة الشيطان فإنه الذي يكذب، وما كان من قبل الله فإنه لا يكذب.
ورد الخبر عن النبي عليه السلام: “الرؤيا ثلاث: رؤيا بشرى من الله، ورؤيا مما يحدث به الرجلُ نفسَه، ورؤيا تحزين من الشيطان.”
فوائد من كلام الطبري
-
الرؤى الحسنة المبشرة:
- تفسير حديث النفس: نستفيد من كلام الطبري أن الرؤى الحسنة المبشرة التي نراها ويعبرها لنا المعبرون بتعبيرات حسنة، ثم لا تقعُ ولا تكون، ربما لأنها في حقيقة أمرها من حديث النفس وتفكير الدماغ.
- مثال: قد ترى المرأة رؤيا تدل على زواجها، لكنها لا تتزوج، لأن هذه الرؤيا من حديث النفس بسبب تفكيرها وتعلق نفسها بالزواج.
-
استبشار الرائي:
- قد يرى الإنسان رؤيا مبشرة، لكن إذا لم يستبشر بما رأى ولا يتفاءل به، فسيئ الظن بربه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أنا عندَ ظنِّ عبدي بي، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.” فإذا لم يتوقع الخير، فلن يقع ما بشرت به الرؤيا.
-
الرؤيا المنصبية:
- يرى الإنسان رؤيا مبشرةً له بمنصبٍ كبير، لكن قد لا يكون له بل يكون لأحد من أقاربه. مثال: رجل رأى رؤيا تبشر بمنصبٍ كبير، ولكنه حزن حين جاء المنصب لعمه الذي يحمل مثل اسمه.
-
تأثير الحسد:
- قد يرى الإنسان رؤيا تبشره بمستقبل كبير أو مال وفير، لكنه يذكر رؤياه لبعض من يحسده عليها، فلا يحصل على شيء. كما قال يعقوب - عليه السلام -: “يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا.”
- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود.”
آداب الرؤيا الصالحة
- من آداب الرؤيا الصالحة أن يتحدث الرائي برؤياه لمن يحبه ويخلص له ويثق بأنه يحب الخير له، دون من يكره أو يكيد له أو يحسده.
- ثبت في صحيح مسلم: “فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلاّ من يحب.”
- وجاء في حديث حسن: “ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح.”
صفوة القول: من آداب الرؤيا الصالحة أن يذكر الحالم رؤياه الحسنة لاثنين من الناس: لمن يحب دون من يكره، وللعالم بفن التعبير دون الجاهل بقواعده وأصوله.