عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ.

لقد رأى نبينا ﷺ في منامه هذا ثلاثةَ مشاهد:

أما المشهد الأول:

ففي قوله ﷺ “رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي ((أي ظني)) إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ” فلقد رأى النبي ﷺ في منامه قبل الهجرة أنه يهاجرُ من مكةَ شرفها الله إلى أرضٍ بها كثرةٌ من النخيل، فذهبَ ظنُّه عليه السلام أن هذه الأرضَ إما أنها أرضُ اليمامةِ، وهي الرياضُ حاليا، وهي مشهورةٌ بالنخيل، وإما أنها أرضُ هجر ((وهي مدينةُ الإحساء في المنطقة الشرقية بالسعودية)) وهي مشهورةٌ بالنخيل أيضا، ثم استيقن أنها أرضُ المدينةِ المنورة.

والمشهد الثاني:

في قوله ﷺ: “وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ” لقد رأى ﷺ في منامه أنه هز سيفه ذو الفِقار مرتين، في المرة الأولى انقطع صدرُ سيفهِ أو مقدمتُه، ثم هزَّه ثانيةً فعاد أحسن ما كان، وقد عبَّر ﷺ السيف هاهنا بأصحابه رضي الله عنهم، أما هزُّه لسيفهِ: فهو حملُهُ إياهم على الجهاد وحثُّهم عليه، وتأوَّل انقطاعَ صدرِ سيفهِ بقتلِ مَن قُتل مِن خيرةِ أصحابهِ يومَ أُحد؛ و عبر عودةَ السيفِ أَحْسَنَ مَا كَانَ بما فتحَ الله عليهم بعد ذلك.

أما المشهد الثالثُ

الأخير في هذه الرؤيا النبوية الشريفة، فقوله عليه الصلاةُ والسلامُ: " وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمْ النَّفَرُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ" حيثُ عبر ﷺ البقرَ بأصحابه رضي الله عنهم الذين قُتلوا في غزوة أُحد، وعبر النحرَ بالقتل.

والرؤيا إما أن تُعبرَ على ظاهرها كما رؤيت في المنام، وإما أن تأتي مرموزةً تحتاجُ إلى معبرٍ يُفسرُ رموزَها، ثم يؤلفُ بينها، ليستخرجَ منها تأويلاً مناسبا، وهذِه الرؤيا فيها النوعانِ من التأويل:

  • فيها الرؤيا على حسب ما رُئيت، وهو المشهدُ الأولُ منها في هِجرتهِ “مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ”
  • وفيها الرؤيا المرموزة؛ كما في المشهدين الأخيرين، في البقرِ التي تُنحر والسيفِ الذي هزه، وهما مشهدانِ يرمزان لمعنى واحد،

ويعبرانِ بتعبير واحد، مما يدل على أن الرؤيا قد يكون فيها رموزٌ متعددة تدل على معنى واحد، وتؤكدُ عليه.