تابعت البارحةَ فقرة من برنامج شهير في بعض القنوات المعروفة mbc، كانت هذه الفقرة عن تفسير الأحلام،

وقد أحزنني أن تتناولَ مقدمةُ البرنامِج وضيفُها صلاح الراشد موضوع الأحلام بسذاجة وسطحية، وبطريقة ليست علمية، ولا موضوعية، بدأ البرنامجُ بتقريرٍ عن رحلة تأجّلت لخطوط الطيران السعودية، والتي كان من المفترض أن تُقلع من المطار عند الساعة الحادية عشرة، ويعود سببُ تأجيلِ الرحلة، إلى إثارة أحد الركاب للرعب داخل الطائرة قبيل إقلاعها، حيث وقف من كرسيه وقال موجهاً حديثَه للركاب: “حلمت بأن هذه الطائرة ستسقط”. تسببَ حديثُ هذا الراكبِ الحالم في إثارةِ فزعِ الكثير من الركاب، وقد جرى تسليمهُ للجهات المختصة، فيما تم إنزالُ الركاب وإعادتهم للصالة، لإكمال إجراءات تفتيشٍ احترازية للطائرة، ورفَعَ المطارُ من تأهبهِ لتنفيذ الإجراءات المعتادة في مثل هذه الحالات.

ما ذنبُ مفسري الأحلام في هذا الحادث

هذه هي الحادثةُ التي تسببت في هجومٍ شديدٍ من البرنامج المشار إليه على كل ما يتعلق بالأحلام، وما ذنبُ مفسري الأحلام في هذا الحادث، وما جريمةُ [تفسيرِ ابن سيرين] الذي خلت أوراقه من تفسير حلم سقوط الطائرة، لأنه أُلف قبل أن تُخترع بأكثر من ألف سنة.

البخاري رحمه الله يرد على الضيف المحترم

من غير المقبول شرعا ولا عقلا أن ينكر ضيفُ البرنامج أن يكون هناك رؤيا مبشرة، بل يقول: “أنت الذي تصنع الرؤيا، الرؤيا لا تأتيك من الغيب” ثم يفتخرُ بأنه لا يقبل من أحد أن يبشره برؤيا، ولندع البخاري رحمه الله يرد على الضيف المحترم،

فيقول البخاري رحمه الله: (بَابُ الْمُبَشِّرَاتِ)، ثم أخرجَ بسنده المتصل أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا المُبَشِّرَاتُ» قَالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»

وَقَدْ ثبتَ أَنَّ النبي ﷺ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فقد أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَن ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ  كَشَفَ السِّتَارَةَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ، وَقَدْ فسَّر النبي البشرى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فقال هي الرُّؤْيَا الصَّالِحَة كما أخرجه التِّرْمِذِيّ وابن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ

كم اتصل بي من ناسٍ، وفسرنا رؤاهم المبشرة، فسعدوا واطمأنوا

ووقعت البشرى كما أوَّلنا ولله الحمد والمنة أو كلما أخطأ بشر في تطبيق حكم من أحكام الإسلام، قام البعضُ بمهاجمة هذا الحكم، فهذا الراكب الذي حلم بسقوط الطائرة، ما كان ينبغي أن يُلتفت إليه، كان يجب أن ينزل بهدوء لتطير الطائرة بعد نزوله في موعدها، فما رآه إنما هو بسبب خوفه من ركوب الطائرة وليس له تفسير، وقد يكون حُلمه من الشيطان أراد أن يخوفه وأن يكيد له، وما حصل من تأجيل إقلاع الطائرة، إنما هو بسبب ضعف الثقافة الصحيحة بموضوع الأحلام،

وليس بسبب كتب تفسير الأحلام ولا بسبب المعبرين!

وحينما ينكر ضيفُ البرنامج الدكتور الراشد الرؤيا المبشرة وأنها من الله وأنها جزء من النبوة، ويُرجع جميعَ الأحلام إلى العوامل النفسية يبدو أنه متأثر بفرويد مؤسسِ مدرسة التحليل النفسي ،

والحق أن الضيف الكريم لم يُخفِ ذلك، فإنه قد أكثر من ذكره والاستشهادِ به، ويرى فرويد أن الأحلام لا تتنبأ بالمستقبل، بل إنَّهَا ظاهرة تكشفُ عن صراعات جنسية أو وجدانية يعانيها الحالِم في الوقت الحاضر، أو أنَّهَا تعبر عن رغبات مكبوتة منذ الطفولة المبكرة.

أحلامٌ كثيرة لا يمكن أن تفسر على هذا الأساس

ولا ريب أن كثيرًا من أحلام الناس هي تنفيس عن أشياء مكبوتة، أو تعبيرٌ عن رغبة مشتهاة كما يفسرها فرويد… ولكن تبقى بعد ذلك أحلامٌ كثيرة لا يمكن أن تفسر على هذا الأساس، لاسيما تلك التي تتنبأ بالمستقبل، والتي لا يمكن أن تفسر إلا على أساس الإيمان بعالَم الغيب.. الأمر الذي ينسف الفكر المادي نسفًا.

وأتباع مدرسة فرويد يظنون أن الرموز تظل حتمًا ثابتة دائمًا، بمعنى أن الشيء يمثله رمز واحد دائمًا في الأحلام، على غير ما يقوله المعبرون الإسلاميون، أن الرؤى يتغير تعبيرها بتغير الأحوال والظروف وصفات الحالمين ووظائفهم، كما أنَّهُم حمَّلوا هذه الرموزَ تفسيراتٍ جنسية مبالغًا فيها، كما أن كلَّ حركة في الحلم هي رمز للعملية الجنسية، كالجري والتسلق والسباحة،

وقد ذكر ضيفُ البرنامج أن الطيران يفسر برغبة جنسية مكبوتة.. وما إلى ذلك مما أثار العاصفة من نقد علماء النفس أنفسهم، حتى أكثر المقربين من رفاق فرويد، كيونج على سبيل المثال

ويفتخر ضيف البرنامج بأن لديه ثلاثةَ كتب من تفسير الأحلام، منها كتاب فرويد، كما يفتخر بأنه ليس لديه تفسير ابن سيرين والخلاصة أننا لا نختلف مع الضيف الكريم في أن أكثر الأحلام من حديث النفس وليس لها تعبير، ولا ينبغي أن نهتم بها، لأنها إنعكاس لما يجولُ في نفوسنا من أفكارٍ وخواطرَ ودوافعَ ورغباتٍ،

إلا أننا ننكر بشدة أن ينكر ضيفُ البرنامج الرؤيا المبشرة،

وانها من الغيب، فالرؤيا المبشرة هي إحدى أنواع الرؤيا الثلاث، ففي الحديث الصحيح: الرؤيا ثلاثة الرؤيا الحسنة بشرى من الله، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان"

وهكذا نرى أن نظرةَ الإسلام للأحلام نظرة شاملة وكاملة،

وقد أسهب الإسلام في الحديث عن الرؤى والأحلام، وشَرَعَ آدابًا وأحكامًا؛ لكي يتجرد المسلم كاملاً لله تعالى، بكل خالجة في القلب، وبكل حركة في الحياة .

وليس حديثُ الشرع عن الرؤى والأحلام شعوذةً فكرية، أو نأيًا بالإنسان عن الواقع وإغراقَه في أوهام وخيالات بعيدة، كلا فحسب الإسلام أن طرد هواجس الخوف والهلع من الأحلام المكروهة أو المفزعة .