إن حب الأوطان أمر فطري وغريزة متأصلة في النفوس البشرية،

وهو أساس الاستقرار والاستمرار، وإن النصوص الشرعية لتؤكد الحب للوطن و تقرر الانتماء إليه ولا تنكره، فقد اعترف الإسلام بمحبة الوطن والإنتماء إليه وأقر ذلك بقوة، وترجمها إلى الواقع حوادثُ السيرة النبوية وقصصُ تاريخ المسلمين، إنما يُحذر منه إذا قام على طرح الدين ونسف العقيدة، وهذا ليس بكائن في بلادنا، ولله الحمد والمنة، بل إن الإنتماء  الإيجابي للوطن وثيق الصلة بالانتماء للإسلام!

ومن ثم فإن من شأن المتدين أن يكون وفياً لوطنه،

محباً لأهله، مجتهداً في مصلحته، مساهما في تقدمه، وهذه هي الوطنية! فهي علاقة فطرية ومحبة قلبية تربط بين المسلم كفرد وبين أركان وطنه: الشعب والحاكم (ويعبر عن هذين الركنين في نصوص  الإسلام بجماعة المسلمين وإمامهم) ويرتبط هؤلاء جميعا بالأرض التي يقيمون عليها.

فالوطنية التي نقصدها إذن، إنما هي محبة قلبية للوطن،

يظهر أثرها في حفظ مكتسباته ومودة أهله والتعاون معهم على الرقي به ونمائه وتقدمه والدفاع عنه، فهي عاطفة تعبر عن الولاء للوطن.

ويحسب البعضُ أن الوطنية تعني تقديس الوطن

تقديسا يصل إلى درجة عبادته من دون الله، أو أنها تعني إقصاء الدين عن الوطن والمواطنين، أو أن يُقدم مصلحة الوطن على مصلحة الدين، فهذه فرضيات لن تكون.

كما لا تعني الوطنية أيضا أن ينعزل كل مسلم في وطنه منفصلا عن عرى الدين وهموم الأمة،

لا يتداعى بالسهر والحُرقة مع سائر أعضائها أوطانا وأفرادا.

ذلك أن انتماء المسلم لوطنه الذي يعيش فيه، ما هو إلا دائرة من دوائر الانتماء

التي شرعها الإسلام، وجعلها بحكمة بالغة تتداخل ولا تتعارض.

فالإنتماء

للأسرة، ثم للقبيلة، ثم للقرية أوالمدينة،  ثم للوطن أو الدولة، ثم للأمة العربية، ثم الإسلامية، فلا تعارض بين هذه الانتماءات، فكل منها يكمل الآخر ويعضده، والتوفيق  بينها واجب شرعا، وليس هناك من الناحية الشرعية أي تنافر ما بين الولاء للإسلام وبين الولاء للوطن من وجه من الوجوه المعتبرة شرعا، وهذا يؤكد أن دوائر الانتماء الصحيحة،  تتداخل ولا تتعارض،

أما دوائر الانتماء الخاطئة

فإنها تتناقض مع دوائر الإنتماء الصحيحة، وتتعارض مصالحها، فالإنتماء لتنظيم أو جماعة يتعارض مع الانتماء للدين ومع الانتماء للوطن، فكثيرا ما يقدم الحزبي  طاعة مرشد الجماعة على طاعة رئيس الدولة!

ولم يأت إسلامنا بشكل محدد  لنظام الحكم في الوطن أو لانتقال السلطة،

وإنما ترك ذلك لاختلاف الزمان والمكان والظروف والمصالح، وليختار كل شعب ما يناسب أوضاعه ويحقق مصلحته، فلا تسمع لمروجي الفتن ومثيري الشعب.

واستشعر يا ولدي ما للوطن من أفضالٍ عليك ( بعد فضل الله )

منذ نعومة أظفارك، فعليك رد الجميل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان. وعليك بتقدير خيراته ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته، وعليك بالتصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمنه وسلامته، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة . وساهم  في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته في أي مجالٍ أو ميدان، بالقول والعمل والفكر( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ولا تبخل عليه بنفس ولا مال، ولا أهل ولا عيال.

وحافظ  على الوحدة الوطنية لشعبك وأبناء بلدك،

والتف حول قيادتك الشرعية، واعمل على ترابطمواطنيك وتماسكهم وتعميق أواصر التعاون بينهم، فإن التآلف والتآزر بينهم أمر في غاية الأهمية للنهوض بأعباء إزدهاره وتقدمه، وبناء منجزاته وحضارته، وتحقيق المصلحة العامة لابنائه، ومواجهة الأزمات المختلفة، وحذرهم من  أخطار الفرقة والانقسام ومفاسد الوقوع في مزالق الخروج على الأنظمة والقوانين والحكام والمسؤولين، وحافظ على أمن الوطن الفكري والأمني والاجتماعي والاقتصادي.

واحترم عادات مواطنيك وتقاليد وطنك الغالي،

فقد أكد الإسلام على عادات العرب الحسنة وتقاليدهم الجميلة التي تحض على مبادئ فاضلة وقيم سامية، ونبذ العادات السيئة والتقاليد المنكرة التي تخالف شرع الله، وتؤدي إلى انتشار الفساد والرذيلة، وضياع الأمن والسكينة، كعادة التبرج، ووأد البنات؛ وإجبار الفتاة على الزواج دون رغبة منها!

وفي الفقه الإسلامي قاعدة كبيرة تشهد بحق

على أن الإسلام قد راعى عادات الشعوب وتقاليد المجتمعات، تقول القاعدة إن " العادة محكمة “، فكن كنبيك ﷺ إذ كان يوافق عادة العرب في كثير من أمور حياته ما لمتخالف الشرع.

وتعايش في وطنك بسلام مع من خالفك في فكر أو مذهب أو دين،

ولا تظلم مخالفيك، ولا تتعدى عليهم، وأحسن إليهم، فإن الأصل في العلاقة بين الناس في الإسلام هي العدل والإحسان، لا الظلم ولا العدوان، فلا تكره الناس على دين أو اعتقاد، ولا تنقض العهود والمواثيق التي بها تعصم الدماء والأموال والممتلكات.

واحفظ أمن غير المسلمين ودماءهم وأموالهم في بلدك، فإنهم قد أقاموا في وطنك بمقتضى عهود الأمان على أنفسهم وأموالهم ودمائهم، فمن قتل واحدا منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولن يشم رائحة الجنة، كما ثبت في صحيح البخاري!