قال البخاريُ رحمه الله:

باب التَّوَاطُؤ عَلَى الرُّؤْيَا

6991 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ أُنَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، وَأَنَّ أُنَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»

قَوْلُ البخاري (بَابُ التَّوَاطُؤِ عَلَى الرُّؤْيَا) أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان توَافقِ جمَاعَةٍ من الناس على رُؤْيا وَاحِدَة، أو على شيئ واحد يرونه في المنام وَإِن اخْتلفت عباراتهم وتفاصيلُ أحلامهم،

كأن يرى أفرادُ أسرةٍ واحدة رؤيا واحدة، أو كأن يحلمَ مجموعةٌ من الأصدقاء بحلمٍ واحد، أو كأن يرى سكانُ قريةٍ معينةٍ في المنام شيئا واحداً،

مثال ذلك أن قريةً انجليزية شب فيها حريقٌ هائل، وعندما تم التحقيقُ في أسبابِ الحريق تبين أن كثرةً من سكانها رأوا الحريق في أحلامهم قبل إندلاعه بليالٍ، فقرر المسؤولون إنشاءَ مكتبٍ لجمع الأحلام التي تتعلق بالأحداثِ العامة لاستخدامها في الإنذار المبكر بالحوادث الكبيرة،

فأرادَ البخاري في هذا الباب أن يبين أَنَّ تَوَافُقَ جَمَاعَةٍ عَلَى رُؤْيَا وَاحِدَةٍ دَالٌّ عَلَى صِدْقِهَا وَصِحَّتِهَا، لكن ذلك ليس على الإطلاق، بل هو منضبط بضوابطَ شرعية، ومحكومٌ بقواعدَ علمية  !

وقوله: (إن أُناسًا) بضم الهمزة وفي نسخة للبخاري: أن ناسًا بإسقاط الهمزة (أُرُوا) في المنام (ليلة القدر) يعني أنهم رأوا في منامهم أن ليلة القدر ستكونُ(في) ليالي (السبع الأواخر) من شهر رمضان (وإن أناسًا) آخرين (أُروها في العشر الأواخر) (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):(التمسوها) أي اطلبوا ليلةَ القدر (في) ليالي (السبع الأواخر)، وَذَلِكَ أَنَّ السَّبْعَ دَاخِلَةٌ فِي الْعَشْرِ، فَلَمَّا رَأَى قَوْمٌ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأواخر، وَقَوْمٌ أَنَّهَا فِي السَّبْعِ الأواخر كَانُوا كَأَنَّهُمْ تَوَافَقُوا عَلَى السَّبْعِ الأواخر، فَأَمَرَهُمْ بِالْتِمَاسِهَا فِي السَّبْعِ الأواخر لِتَوَافُقِ الجماعتين عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَيْهِمْ، فالتحري في السبع أسهلُ من التحري في العشر، وأقل بثلاث ليالٍ

هذا وقد جزم بعضُ الناس بصدق الرؤيا وصحتها وأنها حقٌ من عند الله، بمجرد التواطؤ عليها؛ بل ورتبوا عليه ضرورةَ العملِ بمقتضى ما دلت عليه الرؤى المتواطئة، وهذا غلطٌ كبير، حتى إنك تجدُ الناسَ في بعض البلاد يبلغون المعبرين الرؤى التي تتعلق بتحديد ليلةِ القدر، ويعتمدون على تعبير المعبرين الذين يختلفون فيما بينهم في تحديد موعدِ ليلةِ القدر، فواعجبا من هذا التخبط!

فليست الرؤى المتواطؤُ عليها في حديث ابن عمر هي المستند لدى النبي صلى الله عليه وسلم في تعيين ليلة القدر ؟وإنما استند عليه السلام إلى الوحي، واستأنس بهذه الرؤى، ولا يمكن قياسُ غيرهِ من البشر عليه ؟ . كلا ، فإنه - عليه الصلاة والسلام - وحده الذي يُتلقى منه التشريع ، فالمعتبرُ في تعيين ليلة القدر في السبع الأواخر ، هو إقرارهُ صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استأنس برؤيا عبد الله بن زيد في الأذان، إذاً فالمعتمد ليس هو الرؤيا، وإنما إقرار النبي صلى الله عليه وسلم وتشريعُه

ومن ضوابط ذلك أيضا: صدقُ من رأى تلك الرؤيا ،

فمِن أين لنا في زماننا رجالاً كصحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ . إن من يدعي التواطُأَ في رؤى خروج المهدي مثلا في ساحات النت والتواصل الاجتماعي، إنما يعتمدُ على مجاهيلَ يسمون أنفسهم بأسماءَ وهمية ؛ فإذن لا يمكن اعتبارُ التواطؤ إلا ممن هو معروف بصدقه وثقتهِ وصحةِ عقله،

ومن الشروط كذلك :

ألا تكون الرؤى المتواطؤُ عليها مِن حديث النفس ، أو من وسوسة الشيطان، فإذا دلت القرائن على احتمال كونها كذلك فلا ينبغي التعويلُ عليها، فقد تتوارد الرؤى لدى جماعة من الناس في أمر معين لكثرة تفكيرهم فيه،

فإذا تردد في النفوس أن عهد المهدي ربما قرب زمانه وردده الناس في مجالسهم ، فما الذي يمنع أن يتحولَ لدى البعض إلى رؤيا من حديث النفس؛

أما تدخلُ الشيطان في هذا التواطئ فغيرُ بعيد ، بمعنى: أن الشيطان قد يأتي لهذا ولذاك ويخيل لهم من أجل أن يصلَ إلى تصديق الناس بتلك الرؤيا ؛ ثم يعملون بمقتضاها ، فيتحقق له ما يريد من فتنة ، أو إرجاف ، أو تحزين ، وقد وجدنا أمثلة واقعية لتواطؤ الرؤى ؛ ثم انجلى الأمر وظهر أنها من الشيطان .

كما في قصة محمد القحطاني في فتنة جهيمان في الحرم عام 1400 هـ حيث تواترت الرؤى بأن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي؛ ثم قُتل هذا الرجلُ في آخر الأمر، وعرف الناس أنه ليس المهدي، وإن كان أهل العلم قد عرفوا ذلك من قبل .

وفي ساحات الإنترنت كثرتْ الرؤى بأشياءَ كثيرة وانتصاراتٍ لبعض طوائف الأمة، ولم يحصل من ذلك شيء، إن تحزين الشيطان بالرؤيا قد يكون بمثل هذه الرؤى ، إذ يتعلق الناسُ بها ويعلقون كل آمالهم عليها ، وبعد ذلك لا يحدثُ شئ ، فيقع الحزن ؛ بل والشك في نفوسهم ، وهذا من أعظم ما يفرح به إبليس ، نعوذ بالله منه ومن وساوسه .

والخلاصة

أنه لا يُسْتَدَلُّ بحديثِ تواطؤِ رؤى الصحابة في ليلة القدر في إثباتِ كلِّ ما تُوُوْطِيءَ عليه، فلا ينبغي أن نأخذ من تَوَافُق جَمَاعَةٍ عَلَى رُؤْيَا وَاحِدَةٍ أن ذلك دَالٌّ عَلَى صِدْقِهَا وَصِحَّتِهَا على الإطلاق بل هو منضبط بضوابطَ شرعية، ومحكومٌ بقواعدَ علمية  ! انظر: http://islamtoday.net/bohooth/services/saveart-86-2401.htm