من آداب الرؤيا الصالحة
أن يتحدثَ الرائي بِرؤياه لمن يحبه ويُخلصُ له ويثق بأنه يحبُّ الخيرَ له، دون من يكرهُه، أو يكيدُ له أو يحسدُه عليها.
والأصلُ في ذلك قوله تعالى:
“قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا”
[سورة يوسف: 5]
فالرؤيا يدخلها الكيد والحسد، ولذلك ثبت في صحيح مسلم:
“فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلاّ من يحب”.
وأخرج أبو داودَ والترمذي وابنُ ماجه، عن أبي رزين العقيلي، عن النبي ﷺ قال:
“الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ، مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ، وَلا يقُصَّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ (أي حبيب) أَوْ ذِي رَأْيٍ”.
وهو من له معرفةٌ بتعبيرها.
روايات أخرى
جاءَ في رواية أخرى:
“ولا يحدث بها إلا لبيبا أو حبيبا”.
واللبيبُ هو العارفُ بتأويلها.
وثبت في روايةٍ ثالثةٍ أخرى:
“ولا يقص الرؤيا إلا على عالمٍ أو ناصح”.
والناصحُ هو الحبيبُ المخلصُ، فإنه يرشد الرائي إلى ما ينفعه من رؤياه بل ويعينه عليه.
خلاصة الآداب
نستخلصُ من مجموع هذه الرواياتِ والجمعِ بينها أن مِن آداب الرؤيا الصالحة أن يذكرَ الحالمُ رؤياه الحسنةَ لاثنين من الناس:
- لمن يحب دون من يكره.
- للعالمِ بفنِ التعبيرِ دون الجاهلِ بقواعدهِ وأصولهِ.
ذكر الرؤيا للحبيب
التحدث بالرؤيا الحسنةِ الطيبةِ يُشيعُ جواً من الأنس والبشرِ والسرورِ والتفاؤلِ في نفس الرائي وفي نفس السامع.
وقد علِمنا في المقالات الماضية أن لذلك تأثيرا كبيرا في تحقيق الرؤيا على ما عُبرت عليه من الخير، كما أن لذلك تأثيرا كبيرا في جلب الفرح والسعادة والخير والرزق والبركة والصحة إلى عالم الرائي.
قصة رؤيا لأحدهم
ولعلي أذكر هاهنا أنه من أيام قليلة رأى أحدهم المسيحَ عيسى ابن مريم وكأن الناس في عرصات القيامة، وهم يُعرضون عليه وهو عليه السلام يميز بين أهل الجنة وأهل النار. فيضع يده الشريفة على رأس الشخص ثم يأخذ برأسه ذات اليمين فيكون من أصحاب الجنة، أو ذات الشمال فيكون من أصحاب النار.
فجاء دور صاحبنا، فيقول: “وشعرت بيده عليه السلام فوق رأسي ومرت لحظات وأنا أفكر في مصيري للجنة أم للنار وانتابتني مشاعر لا أستطيع وصفَها، لكني أحسنت الظن بربي سبحانه، فإذا بيده الشريفةِ تأخذني ذاتَ اليمين. ثم رأيتُ نفسي أنطلقُ مع أصحاب اليمين إلى الجنة ونحن نركض إليها ونسرع وأقول في نفسي الآن وإلى الأبد لا مشاكل ولا ظلم ولا أحزان”.
استيقظ قبل الفجر بدقائقَ معدودة وهو في غاية الفرح والسرور. وعندما ذكر هذا الحالم تلك الرؤيا لبعض الأحبة شاع جو من الأنس والبشر. أما زوجتُهُ فقالت له: “لا أغضبك أبدا!”
ذكر الرؤيا للعالم المعبر دون الجاهل
أما ذكرُ الرؤيا للعالمِ المعبرِ دون الجاهل، فقال القاضي أبو بكر بنُ العربي:
“أما العالمُ فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه”.
أقول: وهذا ما نقومُ به في برنامج “رؤيا” في إذاعة نور دبي وفقَ منهج علمي يرعَى أصولَ علم التعبير وقواعدَه ودون تكلف ولله الحمد والمنة.
مثال من السنة
فقد ذكر الشيخُ الألباني في السلسلة الصحيحة: عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله! إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال: وما هو؟ قالت: إنه شديد. قال: وما هو؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.
فقال:
“رأيتِ خيرا؛ تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك”.
فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله ﷺ. فدخلت يوما إلى رسول الله ﷺ فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله ﷺ تهريقان من الدموع.
فقلت: “يا نبي الله! بأبي أنت وأمي مالك؟”. فقال:
“أتاني جبريل عليه الصلاة السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا (يعني: الحسين)”.
فقلت: “هذا؟”. فقال:
“نعم؛ وأتاني بتربة من تربته حمراء”.
أهمية تعبير الرؤيا
وهكذا ينبغي أن تُعبرَ الرؤيا على أحسنِ ما يكون من احتمالاتِ تفسيرها، وهذا لا يحسنه إلا عالمٌ بفنِ التعبير، متقنٌ لأصوله وقواعده.