تعبير الرؤيا عبر أربع خطوات:
الخطوة الأولى: تمييز نوع الرؤيا
الأولى: هي تمييز الرؤيا التي رآها الحالم وقصها على المعبر، هل هي رؤيا حق تدل على مستقبل الإنسان، أم أنها تخويف من الشيطان، أم أنها أضغاث أحلام، أم أنها من مخزون الذاكرة أو مما يفكر فيه الحالم ويحدث به نفسَه، أو مما يهم به في اليقظة، أو يتمناه في الحقيقة، فيراه في المنام، فهذا ليس له تفسير أو معنى.
الخطوة الثانية: انتقاء رموز الرؤيا
الخطوة الثانية هي انتقاءُ رموز الرؤيا وتركُ الحشو من أحداثها. فإن الحلم أو الرؤيا يكون في الغالب على شكل قصة قصيرة، تحتوي على ما يرمز لواقع الحالم أو ماضيه أو مستقبله، كما تحتوي على أحداث حشو لا قيمة لها ولا ترمز لشئ، فلابد للمعبر أن ينتقي الرموزَ ليبحث لها عن معنى في مصادر التعبير ويتركَ الحشو، فليس كل شئ في الرؤيا يحمل دلالة أو معنى، أو لابد أن يفسر.
الخطوة الثالثة: عرض الرموز
ثالث هذه الخطوات: العرض. وذلك بأن يعرض المعبر رموز الرؤيا على مصادر تعبير الرؤى وتفسير الأحلام المعتبرة، وهي القرآنُ والسنةُ والأمثالُ والمعنى والقياسُ واشتقاقُ اللغة والقلبُ والعكس! كما فصلناها في الحلقة الماضية وضربنا لها الأمثال.
فإن لَمْ يستطع المعبر أن يُعَبِّرَ رموز الرُؤْيَا بإحدى هـذه الدلالات، فَإنه سيسْتَعِين بكتب تعبير الرؤيا المعتمدة وهي كثيرة وأشهرها الكتابُ الذي ينسب [لابن سيرين] أقول ينسب فهو ليس لابن سيرين قطعا فقد احتوى على العديد من القصص والأحداث التي وقعت بعد وفاة ابن سيرين بعشرات السنين، وقد وقفت على مخطوطة للكتاب تفسير الأحلام المنسوب لابن سيرين، وعرفت مؤلفه الحقيقي وهو أبو سعيد الواعظ المتوفى سنة 407 من الهجرة النبوية.
الخطوة الرابعة: التأليف بين الرموز
الخطوة الرابعة من خطوات آلية تفسير الأحلام: وهي التأليف أو التجميع بين معاني الرموز ليستخرج منها المعبرُ معنى واضحا مترابطا ومتناسقا ومناسبا لشخصية الحالم وظروفه وأحواله. فبعد أن عرض المعبر رموز الرؤيا على مصادر تفسير الأحلام، ثم اختار منها لكل رمز معنى صحيحا مناسبا، ولابد أن نذكر أنه يجب عليه أن يراعي عند اختياره لمعاني الرموز ما يليق بشخصية الحالم وسماته وأحواله، كما عليه أن ينتبه للقواعد العلمية، والفروق الفردية، واختلاف الزمان والمكان إلى غير ذلك مما سنبينه، فبعد ذلك يقوم المعبر بتجميع معاني هذه الرموز بعضها إلى بعض، ويحاول أن يؤلف بينها؛ ليستخرج منها معنى مستقيمًا وتعبيرًا واضحًا.
أمثلة من تفسير ابن سيرين
ولا بأس أن نضرب بعض الأمثلة التوضيحية، من تفاسير حامل لواء علم التعبير عنيتُ ابن سيرين -رحمه الله-.
أتى ابنَ سيرين رجلٌ، فقال: إني خطبت امرأة فرأيتها في المنام سوداء قصيرة. رؤيا يتمناها بعض الرجال! ماذا رأى في منامه؟ رأى مخطوبته سوداء قصيرة فقال ابن سرين معبرا لها: أما سوادها فمالها، وأما قصرها فعمرها، فوقع ما عبره ابن سيرين! فلم تلبث إلا قليلاً حتى ماتت، وورثها الرجل.
في هذه الرؤيا رمزان:
- الأول: سواد المرأة.
- الثاني: قصر بدنها.
فاختار ابن سيرين للرمز الأول وهو سواد المرأة معنى من اللغة، ففي لسان العرب: ولفلان سواد، أي مال كثير، واختار للرمز الثاني أصلاً بدلالة المعنى والقياس والتشبيه، فَشَبَّه البدن بالعُمر في الطول والقصر، ثم جمع بين هذين الأصلين، واستخرج هذا المعنى العجاب، أنها صاحبة مال وأن عُمَرها قصير.
المثال الثاني:
جاء رجل آخر لابن سيرين، فقال: إني رأيت على رأسي تاجًا من ذهب. فقال ابن سيرين: اتق الله، فإن أباك في أرض غربة، وقد ذهب بصره، وهو يريد أن تأتيه. فأدخل الرجل يده في حجزته أو جيبه، وأخرج رسالة من أبيه يذكر فيها أبوه ذهاب بصره، وأنه في أرض غربة، ويأمره بالإتيان إليه.
في هذه الرؤيا العجيبة ثلاثة رموز:
- الأول: الرأس.
- الثاني: التاج.
- الثالث: الذهب.
واختار ابن سيرين لهذه الرموز أصولاً بدلالة المعنى واشتقاق اللغة، فالرأس رئاسة، ورئيس الإنسان أبوه، والتاج من لباس العجم، وأرض العجم أرض غربة للعرب، والذهب ذهاب البصر، ثم ألَّفَ ابن سيرين بين هذه الأصول وتلك المعاني، واستخرج هذا التعبيرَ العُجاب الذي وقع كما قال!.