أخلاق وآداب المعبر
أخلاق مفسر الأحلام
لكل مهنةٍ أخلاقُها، ولكل فنٍ آدابُه! وقد كتب العلماءُ فيما ينبغي أن يتحلى به المعبرُ من أخلاقٍ وآداب. من ذلك أنهم أوجبوا على مفسر الأحلام أن يكون ستيرًا، يحب الستر على من يفسر لهم.
المعبر يطلعُ على بعض خصوصياتِ الحالمين من خلال سردهم لأحلامهم أو تأويلاته لرؤاهم، وتأويل الأحلام قد يُلقي الضوء على سمات شخصية الحالم، ومن هاهنا كان لابد من الستر على الحالمين إن كان في تأويل أحلامهم ما ينبغي أن يُستر. قال ابن الوردي في ألفيته في الأحلام:
واكْتُم عَوَارَ النَّاسِ إنْ عَبَّرْتَا
واحْذَرْ مِنَ الإِعجابِ إنْ أَصَبْتَا
كتم الأسرار
كثير من الناس لا يحبون أن يُشيعَ المعبر أحلامهم. على المعبر الثقة الأمين أن يعتبر أحلام الناسِ أسراراً يجب كتمها، ويجعل قلبه قبراً لها. كما قال الحكيم الأول: “قلوبُ الأحرار قبورُ الأسرار”. وقال شاعرٌ:
ويكتم الأسرار حتى إنه
ليصونَها عن أن تمرَ بباله
وقال شاعرٌ آخر:
يا ذا الذي أودعتني سره
لا ترْجُ أن تسمعه مني
لم أُجره بعدَك في خاطري
كأنه ما مرّ في ذهني
وقال المتنبي:
وللسرِ مني موضعٌ لا ينالُهُ
نديمٌ ولا يُفضي إليه شرابُ
كتمان الحالمين
ينبغي للمعبر أن يعتبر أحلام الناس أسرارًا، إلا إذا عرف أنهم لا يتحرجون من ذكر أحلامهم. في هذه الحالة، لا بأس أن يذكر المعبرُ الرؤيا دون ذكر أسماء الحالمين أو الشخصيات التي تظهر في رؤاهم.
قال ابن القيم في “إعلام الموقعين” (4/257):
“المفتي والمعبر والطبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلعُ عليه غيرُهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يَحسُنُ إظهارُه”.
الحالم السعيد والستر
الحالم السعيد مطالب بالستر أيضًا. إذا رأى رؤيا وكان في تأويلها ما يُعيب مسلماً قد ستره الله عليه، فاستر عليه ولا تحكِ الرؤيا لأحد. قال رسول الله ﷺ:
“من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة”
[رواه مسلم].
فالجزاء من جنس العمل، وقاعدة “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” تسري على الجميع.
الستر من صفات الله
الستر في اللغة هو تغطية الشيء، وقد وصف الله نفسه بأنه “حيي ستير يحب الستر”. (اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك).
أهمية الستر في الإسلام
الرسول ﷺ رغّب في ستر المسلمين، وقال:
“من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة”
[رواه مسلم].
كما أن الإسلام نهى عن التجسس وتتبع العورات، ففي الحديث:
“إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم”
[رواه أبو داود].
المؤمن الحقيقي يستر وينصح، كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-:
“المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعير”.
المجاهرة بالذنوب
على المذنب نفسه أن يستر على نفسه ولا يجاهر بذنبه. قال رسول الله ﷺ:
“كل أمتي معافى إلا المجاهرين”
[رواه البخاري].
نماذج من الستر في التاريخ الإسلامي
كان خلق الستر واقعاً معاشاً في القرون الإسلامية الأولى. جاء ماعز الذي زنى إلى النبي ﷺ واعترف بجريمته، فأمره النبي أن يرجع ويستر على نفسه. كذلك، ابن عباس وعمار بن ياسر مارسا الستر على السارقين، بل وقدموا لهم المساعدة المالية.
الستر في عصر الإنترنت
للأسف، غاب الستر عن حياة كثير من الناس خاصةً في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. انتشر نشر الفضائح والمقاطع المخلة، وكأنها تقربهم إلى الله زلفى، بينما الحقيقة عكس ذلك. قال رسول الله ﷺ:
“يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته”
[رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني].