رؤية النبي ﷺ في المنام: حكمها وحدودها

كلنا نتشوق لرؤية النبي ﷺ في المنام، فرؤيتهُ في المنام شرفٌ أسمى، وراحةٌ عظمى، وبشارةٌ كبرى. ومع ذلك، هناك سوء فهم شائع حول طبيعة هذه الرؤية.

بطلان الظن بأن النبي ﷺ يُرى في حقيقته

بعض الناس يعتقدون أن من رأى النبي ﷺ في المنام، فقد رأى حقيقته بلحمه ودمه، وأنه ﷺ يأتي إلى مكان نوم الرائي كما يزور الأحياء. هذا رأي باطل، لأنه يؤدي إلى نتائج باطلة، منها أن يكون النبي ﷺ خارج قبره طول الوقت، وأن عدة أشخاص قد يرونه في وقت واحد في أماكن مختلفة.

المعنى الصحيح لرؤية النبي ﷺ في المنام

الصحيح في هذه المسألة هو ما رجحه الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”، حيث قال:

“من رآني في المنام على أي صفة كانت فليستبشر، ويعلم أنه قد رأى الرؤيا الحق التي هي من الله، لا الباطل الذي هو من الشيطان.”

ويستدل على ذلك بحديث النبي ﷺ:

“من رآني فقد رأى الحق”
[رواه البخاري].

الرؤيا لا تثبت بها الأحكام الشرعية

لكن هل يُثبت بالرؤيا حكم شرعي؟ ماذا لو ادعى شخصٌ أنه رأى النبي ﷺ في المنام وأمره بعبادة جديدة أو عمل غير مأثور؟

الإجابة هي أن دين الإسلام قد اكتمل بكل أصوله وفروعه، ولا تبديل فيه. قال الله تعالى:

“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا”
[سورة المائدة: 3].

ومن ثم، فقد أكد العلماء أن الرؤى المنامية لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالًا، ولا يترتب عليها أي حكم شرعي.

أمثلة من الفقهاء

لو اختلف المسلمون في آخر يوم من شعبان هل غدًا أول رمضان أم لا، ورأى شخصٌ النبي ﷺ في المنام يقول له: “إن غدًا أولُ يوم من رمضان، فصمه”، فإنه لا يصح أن يصوم بناءً على هذه الرؤيا. النبي ﷺ قال:

“صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته”
[رواه البخاري ومسلم].

الرؤى المنامية للبشر العاديين لا تُحدث تغييرًا في الأحكام الشرعية، على عكس رؤى الأنبياء التي هي وحيٌ وترتب عليها الأحكام الشرعية بلا خلاف.

تحذير من الإدعاءات الباطلة

من أمثلة الخرافات المنسوبة للرؤى، ما زُعم عن “الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف”، حيث ادعى البعض أنه رأى النبي ﷺ في المنام وأوصاه بتبليغ الناس برسالة معينة تتعلق بالخلاص من النار. هذه ادعاءات باطلة لا أساس لها من الصحة.

إجماع العلماء

قال الإمام النووي: “لا يتقرر بالرؤيا حكمٌ شرعي”، وهذا هو الحق الذي يجب اتباعه. عرض كل أمرٍ على الشرع الذي قد اكتمل واستقر هو المعيار. فما وافق الشرع فهو هدى، وما خالفه فهو ضلال.

بذلك يتضح أن الرؤى لا تحل محل النصوص الشرعية، ولا يمكن الاعتماد عليها في تغيير الأحكام أو إحداث تشريعات جديدة.