الباب الثاني من كتاب التعبير في صحيح البخاري بَابُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ، يقول البخاري رحمه الله:
بَاب رُؤْيَا الصَّالِحِينَ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} ثم قال البخاري رحمه الله: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ
وقول البخاري رحمه الله : (باب رؤيا الصالحين) أي هذا بابٌ في بيان ما يتعلق برؤيا الصالحين، وكان قد بين في الباب الأول ما يتعلق برؤيا الأنبياء وأن أولَ ما يبدأون به من الوحي الرؤيا الصادقة، وإذا كانت رؤى الأنبياء كلها حق وصدق، لأن الشيطان لا يتدخلُ فيها، فهي معصومة من كذبه وتخييله، بل رؤيا الأنبياء وحي باتفاق ، ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيلَ برؤيا رأها في المنام،
لاحظ أني قلت أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيلَ، فالصحيح أن الذبيح إسماعيل وليس إسحاق، وما تراه في كثرة من الكتب أن الذبيح إسحاق غير صحيح.
أقول إذا كانت رؤى الأنبياء كلها حق وصدق، فإن رؤى الصالحين يكثر فيها الحق والصدق، لكن هذه الكثرةَ تزيد وتقل على حسب صلاحهم وصدقهم، كما قال عليه السلام:“وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا”
فالصالحون في صدق الرؤيا درجات متفاوتة، بل يرون الأضغاثَ في رؤاهم، كما يخيلُ لهم الشيطانُ بما يكرهونه لكن ذلك بقلة، لأن الأغلبَ عليهم الصدق والخير، ويقلُ فيهم تحكمُ الشيطان، بخلاف غيرهم، فإن الفساقَ والكفارَ يرون في منامهم الرؤيا الصادقةَ أيضا، إلا أن ذلك بقلة أو بنُدرة،
وقد مر بنا رؤيا ملك مصر ورؤيا ملك بابل وكانا بالله مشركين، وبالأخرة كافرين.
والرؤيا أيضا تنقسمُ قسمين:
رؤى واضحة وظاهرة،
تقع كفلق الصبح، كمن رأى في المنام أنه يُعطَى مئةَ ألف، فأعطي مئةَ ألف في اليقظة، فهذا القسم من الرؤيا لا رمز فيه، وهكذا أكثرُ رؤى الأنبياء، لكنه قليل نادر في رؤى غيرهم،
والقسم الثاني:
الرؤى المرموزةُ التي لابد لها من معبرٍ لفك رموزها وتعبيرها، وعلى هذا أكثرُ رؤى الناس، وهم في ذلك درجات أيضا. وما من شك أن الرؤيا الصادقة التي تتحقق إذا رآها المؤمن علامة خير له، والرؤيا الصادقة من صفات أولياء الله تعالى، روى أحمد والترمذي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: لهم البشرى في الحياة الدنيا قال: هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له.
فعلى من أكرمه الله تعالى بصدق الرؤيا أن يشكر الله على هذه النعمة، وأن يزداد تمسكاً بدين الله وشرعه، ولايغتر بذلك ولا يتكل عليه، فالرؤيا الصادقة الصالحة تسر ولا تغر.
وقول البخاري : ( باب رؤيا الصالحين) من هم الصالحون في نظر الشريعة؟ هم الَّذِينَ صَلُحَتْ نُفُوسُهُمْ وقلوبهم وَأَعْمَالُهُمْ وقاموا بحقوق الله وحقوق عباده، فليس بصالح من قام بحقوق الله، وضيع حقوق عباده،
فالصالح من يقوم بالحقين كليهما، إذ هما وجهان لعملة واحدة, الأخلاقُ والدين، أو عبادةُ الحق ومعاملةُ الخلق، قال عليه السلام مقررا ذلك:من جاءكم ترضون خلقه ودينه فزوجوه. وقالت زوجة ثابت: ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام
وقد سئل عليه السلام عن امرأة تكثر من الصيام والصدقة غير أنها تؤذي جيرانها فقال هي في النار