ينتشر بكثرةٍ هذه الأيام في مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي الرؤى المبشرة بقرب ظهور المهدي، ولأن هذه الأحلام بالمئات، اضطرت بعض المواقع لجعل منامات كل بلد على حدة، بعدد الدول العربية!

هذه الرؤى يدعيها ناس مجهولون لا نعرف صدقهم من كذبهم،

كما أن المعبرين كذلك لا يعرفون،

مثال ذلك ما ورد في بعض المواقع بما نصه: " طلب صديق لي بعرض رؤيته هنا لأنه ليس عضوا"

فالكاتب مجهول إذ يختبئ خلف اسم مستعار، وصديقه صاحب الرؤيا أكثر جهالة منه، أما المعبر المجهول أيضا، فلم يمل من تكرير العبارة التالية بعد كل رؤيا:" الرؤيا تبشر بوضوح بقرب ظهور المهدي وتمكين الله له"

وللإيغال في التلبيس كثيرا ما يذكر هؤلاء (المجهولون) في آخر الرؤيا أن الجزء الأول منها قد تحقق، وغالباً ما يكون متعلقا بأمور الحياة الاعتيادية، فيظن السُذج أن الجزء الثاني الخاص بالمهدي سيتحقق حتما!

والعجب لا ينتهي

حين نجد في كثير من البلاد في وقتنا الحاضر من يدعي أنه المهدي المنتظر، ويصدقه في ذلك فئام من الناس، وقفز في الذاكرة كتاب صدر في أواخر التسعينات ادعى ظهور المهدي، كما ادعى أن الدجال سيظهر في تاريخ كذا وسينزل المسيح ابن مريم أول سنة 2000م ليقتله, وتقوم القيامة سنة 2010م، ورددتُ على هذا الكتاب آنذاك بمقالةٍ في جريدة المسلمون بعنوان هل سينزل المسيح سنة 2000 م

ومن يستعرض التاريخ يجد كثرةً من الناس ادعوا المهدية، ليصلوا لأهداف سياسية، وقد وصل بعضهم، كالمهدي بن تومرت الذي أسقط دولة المرابطين السنية، وأقام دولة الموحدين، وقتل عشرات الألوف من المسلمين، واتخذ فكرة المهدي وسيلته للوصول لذلك، حتى إنه كان يتفق مع بعض أصحابه على أن يجعلهم في المقابر، ويترك لهم مكاناً للتنفس، ويأمرهم بأن يكلموه من داخل المقابر إذا دعاهم، وحينما يسمع أتباعه أن الموتى يكلمونه، ويشهدون له بأنه المهدي يثبت إيمانهم به وولاؤهم له، ثم يهدم بعد ذلك القبور على من تواطأ معهم حتى يموتوا لكي لا يفشوا سره بعد ذلك. وهكذا نجد أن فكرة المهدوية في التاريخ الإسلامي، كانت دائما التمهيد لـ"الانقلاب" على السلطات القائمة، وقد بلغ عدد هؤلاء الذين ادعوا المهدية عبر التاريخ 150 كما أحصاه البعض، لكني أزعم أن العدد أكثر من ذلك بكثير.

إن المهدي المنتظر من الأمور الغيبية التي لا يجوز لأي مسلم أن يجزم فيها بأن فلانا هو المهدي،

مالم تتوافر العلامات التي أوضحها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الصحيحة، وأهمها أنه من نسل فاطمة رضي الله عنها، وكون اسمه واسم أبيه يوافق اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه.

وحسب الأحاديث الصحيحة أيضا: أن المهدي سيخرجُ حين تُملأ الأرض جوراً وظلماً، ليملأها قسطا وعدلا، ولم تصل الأرضُ لهذا الحد بعدُ كما يقرر الشيخ العلامة ابن عثيمين، بل يوجد القسط والعدل في كثيرٍ من البلاد، كما يتوافر كثرةٌ من الصالحين يعملون بالشريعة قدر المستطاع! مما يؤكد أن زمان المهدي لم يحن بعدُ

إن اعتماد المنامات في تعيين شخصية المهدي وتحديد زمانه، مخالف للأدلة الشرعية، ومضاد لما قرره السادة العلماء من أن المنامات مهما كثرت لا يجوز الاعتماد عليها في خلاف ما ثبت به الشرع المطهر، كما أنه سيفتح الباب أمام إدعاء المهدوية، إذ إدعاء المنامات لا يعجز عنه أحد أي أحد!