إن حب الأوطان يا بني أمر فطري وغريزة متأصلة في النفوس البشرية، وهو أساس الاستقرار والاستمرار، وإن النصوص الشرعية لتؤكد الحب للوطن و تقرر الانتماء إليه ولا تنكره، إنما تحذر منه إذا قام على طرح الدين ونسف العقيدة ، وهذا ليس بكائن في بلادنا،ولله الحمد والمنة، بل إن الإنتماء الإيجابي للوطن وثيق الصلة بالانتماء للإسلام! و من ثم فإن من شأن المتدين أن يكون وفياً لوطنه، محباً لأهله، مجتهداً في مصلحته ، مساهما في تقدمه.

استشعر يا ولدي ما للوطن من أفضالٍ عليك ( بعد فضل الله ) منذ نعومة أظفارك، فعليك رد الجميل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان.

وعليك بتقدير خيراته ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته، وعليك بالتصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمنه وسلامته، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة .

وساهم ياولدي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته في أي مجالٍ أو ميدان، بالقول والعمل والفكر( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، و لا تبخل عليه بنفس ولا مال، ولا أهل ولا عيال.

وحافظ ياولدي على الوحدة الوطنية لشعبك وأبناء بلدك ، والتف حول قيادتك الشرعية، واعمل على ترابط مواطنيك وتماسكهم وتعميق أواصر التعاون بينهم، فإن التآلف والتآزر بينهم أمر في غاية الأهمية للنهوض بأعباء إزدهاره وتقدمه، وبناء منجزاته وحضارته، وتحقيق المصلحة العامة لابنائه، ومواجهة الأزمات المختلفة، وحذرهم من أخطار الفرقة والانقسام ومفاسد الوقوع في مزالق الخروج على الأنظمة والقوانين والحكام والمسؤولين، وحافظ على أمن الوطن الفكري والأمني والاجتماعي والاقتصادي .

واحترم عادات مواطنيك وتقاليد وطنك الغالي، فقد أكد الإسلام على عادات العرب الحسنة وتقاليدهم الجميلة التي تحض على مبادئ فاضلة وقيم سامية، و نبذ العادات السيئة والتقاليد المنكرة التي تخالف شرع الله، وتؤدي إلى انتشار الفساد والرذيلة، وضياع الأمن والسكينة، كعادة التبرج، ووأد البنات؛ و إجبار الفتاة على الزواج دون رغبة منها!

وفي الفقه الإسلامي قاعدة كبيرة تشهد بحقعلى أن الإسلام قد راعى عادات الشعوب وتقاليد المجتمعات، تقول القاعدة إن " العادة محكمة “، فكن كنبيك r إذ كان يوافق عادة العرب في كثير من أمور حياته ما لم تخالف الشرع.

وتعايش في وطنك بسلام مع من خالفك في فكر أو مذهب أو دين، ولا تظلم مخالفيك، ولا تتعدى عليهم، وأحسن إليهم، فإن الأصل في العلاقة بين الناس في الإسلام هي العدل والإحسان، لا الظلم ولا العدوان، فلا تكره الناس على دين أو اعتقاد، ولا تنقض العهود والمواثيق التي بها تعصم الدماء والأموال والممتلكات.

واحفظ أمن غير المسلمين ودماءهم وأموالهم في بلدك، فإنهم قد أقاموا في وطنك بمقتضى عهود الأمان على أنفسهم وأموالهم ودمائهم، فمن قتل واحدا منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولن يشم رائحة الجنة، كما ثبت في صحيح البخاري!

وإذا خرجت عن وطنك الغالي ورحلت إلى بلد غير مسلم، فكن كنبي الله يوسف عليه السلام إذ عاش في بلد كافر وشعب مشرك داعياً إلى التوحيد بأخلاقه قبل أقواله، وأنقذ عليه السلام شعب مصر الكافر آنذاك من أزمة إقتصادية طاحنة، فكن مثله مباركا على أهل كل بلد تنزل فيه، ولا تكن شؤما على المسلمين وفتنة لغير المسلمين تصدهم بأفعالك عن الدخول في الدين الحق!.

وقد أجمع علماء الإسلام أن المسلم إذا دخل دولة غير إسلامية فلا يجوز له أن يتعرض لأحد من أهلها والمقيمين فيها بقتل أو ظلم أو أذى، وقد أمرنا القرآن بالإحسان إلى الآخر، وقال ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ). الممتحنة: 8

ولا تؤذِ إنسانا ولا حيواناً، وكن رحمة كنبيك عليه الصلاة والسلام، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء 107 وقد قرر الفقهاء أن «من آذى غيره بقول أو فعل يعزر، ولو بغمز العين، أو قال لذمي: يا كافر، يأثم إن شق عليه ذلك»([1]).


([1])الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان لابن نجيم (188).