وإذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر، فعليك بالتدرج مع الناس، وابدأ بالأهم فالمهم، و اختر الوقت المناسب، وإن أخرت ذلك لمصلحة شرعية فلا بأس، كما لا ينبغي عليك أن تنكر على أحد خالفك في مسألة من مسائل الاجتهاد، أو في عادة من العادات التي لم تخالف الشرع، ولا تتعرض لأحد فعل منكرا خفية، ولا تتبع عورته، ولا تبحث عنه بحجة نهيه عن المنكر، فإن هذا من التجسس المنهي عنه، وقد قرر العلماء أن المنكر الذي ينكر هو الظاهر المعلن لا الباطن المخفي، قال الماوردي:" كل من ستر معصيته في داره وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه “ .

ولابد أن تستيقن أن هذا الذي تنهى عنه معصية لله ومنكر بمقتضى الدليل الشرعي الصحيح الصريح، فقد تسرع كثير من المتحمسين ، فأنكروا على الناس أمورا مباحة يظنونها منكرة ،ً فضيقوا عليهم جهلاً بغير علم، وكرهوهم في أحكام الشريعة السمحة ، فلا تكن عن الدين منفرا! فإن الدين يسر!

وعليك بالرفق واللين، فالعاصي يحتاج إلى لين ورفق حتى يقلع عن معصيته ! وفي صحيح مسلم عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ » إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ «.

وعليك بالحكمة، فمن لم يكن فطناً حكيماً في أمره ونهيه، فما يفسده أعظم مما يصلحه ، فيحرم عليك يا ولدي أن تنهى عن شئ يترتب على إنكاره منكر أشنع من المنكر الذي نهيت عنه ، فالشريعة مبنية على جلب المصالح وتكميلها؛ ودفع المفاسد وتقليلها، فمزيل المنكر بمنكر أعظم جاهل بأحكام الشريعة ومقاصدها الكبيرة!

وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو اكبر منه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام وكونهم حديثي عهد بكفر؛ ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه **".


1 إعلام الموقعين (3 / 4):