بعد ما قرر الشهاب العابر في الْفَصْل الثَّانِي عشر من كتابه في قواعد التعبير
أن تفسير الأحلام يكون أيضا بالمعكوس من الكلمات
وذلك بأن تُقرأَ الكلمةُ من آخرها إِلَى أَولهَا، فاللوز يُعبرُ لمن هُوَ فِي شدَّة وكرب: بزَوَال كربتهِ، وذلك لِأَن عَكس لَوز: زول، إذا قرأتها من آخرها لأولها، وكذلك العسلُ يعبر باللسع، والدلو يعبر بالولد، والليف بالفيل
ها هو ذا الشهاب العابر يتحدث في الْفَصْل الثَّالِث عشر عن
قاعدةٍ أخرى من قواعد تفسير الأحلام
أسماها بقاعدة المعكوس الخفي
قال: “وَهُوَ خَفِي لقلَّة اسْتِعْمَال النَّاس لَهُ، بل لعدم معرفَة أَكْثَرهم لَهُ” ومن الأمثلة التي ضربها الشهابُ العابر لبيان المعكوس الخفي، الْبَحْرُ: فإنه يُعبر أحيانا بالنَّار، وَالنَّار: تدل على الْبَحْر، وذلك لأن البحرَ والنارَ يرمزان في الأحلام لأشياءَ واحدة غالباً، فقَامَ كل وَاحِد مقَام الآخر
قال الشهاب العابر: فعلى هَذَا
إِذا رأى الْإِنْسَان في منامه كَأَنَّهُ دخل النَّار
فإنه يُفسرُ بأنه رُبمَا سبح فِي الْبَحْر، فَإِن احْتَرَقَ في منامه هذا فيُعبر أحياناٍ بأنه يغرقُ
كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت كَأَن رجْلي تلفت بِمَاء الْبَحْر، فَقلت لَهُ: نخشى عَلَيْهَا حريقاً، فَكَانَ كَمَا قلت.
وكذلك الحجامة في المنام
تُعبرُ بكِتَابَة، وَالْكِتَابَة تُأوَّل بحجامة، وذلك لِأَن الْحجام يمسك بأنامله ويجعله سطوراً وَيبقى الدَّم يجْرِي كالمداد فَأشبه الْكتاب فِي ذَلِك، فَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَام الآخر
وضرب لذلك مثلا بمنامٍ عُرض عليه، رَأى فيه أحدهم كَأَنَّهُ يحتجم، فَقلت لَهُ: يكْتب مَكْتُوب لأجل مَال.
وكما قَالَ آخر: رَأَيْت كَأَنِّي أكتب على بدني، فَقلت: تحتجم. فَكَانَ كَمَا ذكرت
وَالْمُشْتَرِي يُفسر أحيانا ببَائِع، وَالْبَائِع: مُشْتَرِي
لما خرج من يَده وَدخل إِلَيْهَا، أقول: وكثيرا ما عبرت المعطي بالآخذ، والآخذ بالمعطي، فكان كما أولتُ، والله الموفق.